"التحذير من التقصير في الصلاة والسلام على البشير النذير"
الحمد لله ،وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم
أولاً :تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم على دعاء جبريل u برغم أنف من لم يصلي عليه حين ذكره :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمارْتَقَى الْمِنْبَرَ فَقَالَ :« آمِينَ آمِينَ آمِينَ ». فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّه!ِ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ :« قَالَ لِي جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ: آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ،فَقُلْتُ: آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ ". (1)
قال ابن القيم:قالوا:ولهذا دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم برغم أنفه ،وهو أن يُلصق أنفه بالرغام وهو التراب ، لأنه لما ذُكر عنده فلم يُصَلَّ عليه استحق أن يذله الله، ويلصق أنفه بالتراب.(2)
ثانيًا : وصفه بأنه أبخل الناس :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ".(3)
وعن أبي ذر :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي ".(4)
يقول ابن القيم رحمه الله : قالوا: ولأن الأمر بالصلاة عليه في مقابل إحسانه إلى الأمة ، وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم، وما حصل لهم ببركته من سعادة الدنيا والآخرة ،ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا يحصل بالصلاة عليه مرة واحدة في العمر ، بل لو صلى العبد عليه بعدد أنفاسه لم يكن موفيًا لحقه ولا مؤديًا لنعمته ، فجعل ضابط شكر هذه النعمة بالصلاة عليه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم.
قالوا:ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتسميته من لم يصل عليه عند ذكره بخيلًا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم ، وحصل له به هذا الخير الجسيم ، ثم يُذكر عنده و لا يثنى عليه ، ولا يُبالغ في حمده ومدحه وتمجيده ، ويبدى ذلك ويعيده ، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره وحقه ،عده الناس بخيلًا لئيمًا كفورًا ( أي كفر نعمة غير مخرج من الملة )(5) فكيف بمن أدنى إحسانه إلى العبد يزيد على أعظم إحسان المخلوقين بعضهم لبعض ، الذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة ، ونجا من شر الدنيا والآخرة ، الذي لا تتصور القلوب نعمته وإحسانه ، فضلًا عن أن يقوم بشكره ، أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يُعظم ويثني عليه ، ويستفرغ الوسع
في حمده ومدحه إذا ذُكر بين الملأ ، فلا أقل من أن يُصلَّ عليه مرة إذا ذُكر اسمه صلى الله عليه وسلم.(6)
ثالثًا: خطئ طريق الجنة :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم :مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ".(7)
وعن محمد بن علىَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم:مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ".(8)
رابعًا: حسرة على فوات الثواب والمنزلة في الجنة تبعًا لذلك:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،قَالَ: مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابََََِ".(9)
خامسًا : حسرة والتعرض لعذاب الله:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه ،قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ رَبَّهِمْ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم ، إِلاَّ كَانَ تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ ».(10)
سادسًا : نتن المجلس الذي لا يُذكر الله تعالى فيه ولا يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلمقَالَ:" مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ الله ،وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ ، إِلاَّ قَامُوا عَنْ أَنْتَنَ مِنْ جِيفَةٍ ".(11)
مسألة الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين :
قال ابن القيم: وفصل هذه المسألة:أن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلمإما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم ، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجائزة مفردة .
وأما الثاني:فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عمومًا الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم ، جاز ذلك أيضًا؛ فيقال: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين ، وإن كان شخصًا معينًا أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعارًا لا يخل به ، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه ، ولاسيما إذا جعلها شعارًا له ، ومنع منها نظيره ، أو من هو خير منه ، وهذا كما تفعل الرافضة بعليَّ رضي الله عنه ، فإنه حيث ذكروه قالوا عليه الصلاة والسلام ، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه ، فهذا ممنوع ، لاسيما إذا اتخذ شعارًا لا يخل به ، فتركه حينئذ متعين ، وأما إن صلى عليه أحيانًا بحيث لا يجعل ذلك شعارًا كما يصلى على دافع الزكاة ، وكما قال ابن عمر: للميت صلى الله عليه،وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلمعلى المرأة وزوجها ، وكما روي عن عليَّ من صلاته على عمر ، فهذا لا بأس به . وبهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب والله الموفق .(12)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1)حسن صحيح:رواه البخاري في" الأدب المفرد"(646)،وقال الألباني :حسن صحيح،ومسلم(2551) مختصرًا عن الوالدين "كتاب البر والصلة والآداب"،وأحمد(7444) تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد حسن ، وابن خزيمة في"صحيحه" (1888).
(2)"جلاء الأفهام " للإمام ابن القيم (1/220).
(3)صحيح: رواه أحمد(1736) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي، والترمذي(3546،3563) ، والنسائي ،وابن حبان(909) ،والحاكم(2015) ،وصححه الألباني في"صحيح الجامع" (2878).
(4)صحيح" فضل الصلاة على النبي " رقم (37).
(5) مابين المعقوفتين من تعليقي.
(6)"جلاء الأفهام" (1/220).
(7)حسن صحيح: رواه ابن ماجة(908)،وانظر"صحيح الجامع"(6568)،و"السلسلة الصحيحة"(2337)،و"فضل الصلاة"(41-44).
(8)صحيح:" فضل الصلاة على النبي" (43).
(9)صحيح: رواه أحمد في مسنده(9966) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين ،وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة"مختصرة(76)،و"صحيح الترغيب والترهيب"(1513).
(10)صحيح: أخرجه الترمذي(3380)،وقال حديث حسن صحيح،و"صحيح الجامع"للألباني(5607).
(11)صحيح :رواه الطيالسي ،والبيهقي في"شعب الإيمان "(1570)،والضياء،انظر"السلسلة الصحيحة" (80)،و"صحيح الجامع"للألباني(5506).
(12) "جلاء الأفهام" (1/265).
ـــــــــــــــــــــ
تم بحمد الله وتوفيقه
وجزاكم الله خيرًا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته